حكاية شنكالية
سمعت انك تلبسين الكاوبوي ...
اسود . ازرق . دعينا من الألوان .
وسمعت انك تخليت عن الكوفية البيضاء .
وتعقصين شعرك كذيل حصان .
سمعت أشياء كثيرة .
فالسجين زاجله السجّان .
أيحبك مثلي .؟
ويقصّ عليك حكاية الأميرة والجان .
ويقبّل جبينك قبل أن ينام .
أيقدم لك التين على الإفطار .؟
تين سنجار .!
أم تأكلون كالألمان .
كلما حاولت الهرب من المشاكل الاجتماعية لمجتمعنا أجد نفسي وقد تشّربت بظاهرة تحتاج إلى التوقف عندها ودراستها وتحليلها ثم البحث عن أصولها وجذورها في بواطن الكتب والمصادر في مكتبتي الصغيرة الفقيرة ومن البيئة التي أنا فيها ثم مقارنتها مع مثيلاتها في المجتمعات الأخرى وكل هذا يأخذ الكثير من الوقت والجهد ونتيجتها أما كتابة قصاصة وتركها على إحدى الرفوف ليعلوها تراب وغبار سيباى أو قصيدة وربما مقطع غير موزون أركنه في موقع افتراضي من حاسوبي الأشيب مثلي ، وفي أحسن الأحوال تجود قريحتي بمقالة مثل هذه والتي تعاني من أمراض مزمنة أكثر من أمراض أمي الحبيبة ، وفي مقالة سابقة لي دعوت أصدقائي في سنونى وخانصور اختصاصيو العلوم الاجتماعية للنهوض وإجراء بحوث ميدانية عن حالات ملحّة " الانتحار . الهجرة . تقليد الآخر . الازدواجية ... الخ "، ولكن يبدو إن ندائي لم يلق آذانا صاغية إما لضعف في أوتاري الصوتية أو لالتهاب أو ربما صمم في آذان أصدقائي .
هناك مثل كرمانجي قديم يقول ( العائلة التي فيها رجال ... فيها عين من ذهب ) ولا يخفى ما لهذا المثل من دلالات نفسية واجتماعية واقتصادية بليغة في ذلك الزمان نظرا لحاجة العائلة للذكور من اجل زجهم في أعمال ومهن تتطلب قوة عضلية كبيرة للحصول على القوت اليومي لها أما الإناث فكان ولادتهن غمّ وحزن والتخلص منهن سرور وفرح كما الحال عند بعض شعوب الهند وأصبح الأمر عادة واستمرت هذه العادة البغيضة تفرض نفسها على مجتمعنا الفقير والمتخلف ذو الأرضية المناسبة لنموها وتثبيت جذورها وتقوية سيقانها بحيث أصبح من العسير التخلص منها ، وكان من نتائجها الآنية والسريعة إن الفرد لم يعد يقتنع بزوجة واحدة بل اثنتان وثلاث وحتى خمس حسب كمية التمر المتوفر في منزله وخلال تلك الفوضى الاجتماعية والأوقات الصعبة والبطون الطاوية نبتت عشبه سامة أخرى وهي النهب فما أن يتعرف روميو على إحداهن ويجدها مناسبة ومقبولة الشكل حتى تبدأ عملية " الأغراء التفاوض " وإطلاق الوعود الكاذبة فتوافق الجميلة وتطير من الفرح ثم يأتي فارس الفرسان خلسة ويخطف بنت المكرودة على ظهر الحصان ويأخذها إلى بلاد الجان ويزينها بالآلي والمرجان ، فكانت العائلة تبارك هذا الفعل الخطير العواقب وفي أحسن الأحوال لا تمانعه وأيضا لأسباب معيشية مختلفة وهذه ولدّت عادة فرعية لا تقل قبحا عنها وهي الاختلاء بالفتاة وتجاوز الحدود أحيانا بنيّة الزواج " النهب " واستغلال المناسبات الدينية والاجتماعية لذلك ، واستمرت بعض هذه العادات وغيرها تنخر في جسد المجتمع وخاصة الشنكالي حتى في فترات الرخاء النسبية والى يومنا هذا .
في بدايات القرن الحالي دبّت بعض التغيّرات السطحية الساذجة . المعيبة . الفاهية . العقيمة على مفهوم بعض الأسر ونظرتها للأنثى ليس لتوعيتها أوتثقيفها اجتماعيا إن كانت بحاجة لذلك أو الإقرار بأنها نصف المجتمع وهي الأم والأخت والزوجة والبنت والجدة أطال الله عمرها أو بأنها يجب أن تكون مساوية للرجل في كل شيء بل الواقع إنها تسبقه في الكثير من الميادين وهي أحلى وأجمل منه بثلاث مرات ليس كل هذا أو غيره إنما إرخاء الحبل لها ومنحها بعض الحرية السمجة لأنها وافقت مبدئيا على الزواج من احد المهاجرين وطبعا تمت الصفقة بالماركات والدولارات وكلما كانت البنت شقراء وتشبه الأوربيات كلما زاد سعرها " وهذا الكلام ليس من خيالي الواسع المجنون لأني حضرت إحدى الجلسات (الصفقات) بنفسي " ليتباهى بعدها العريس أمام أصدقاءه بخضرة عيون عروسه وبصورة خاصة صديقته الحميمة الـ "" girl friend حتى لا تخاصمه وتقول أنا أجمل منها . كان من الأجدر بك أن تتزوجني وانتشر الخبر وانتشرت معها هلوسة متابعة أخبار المهجر والمهاجرين وتناقله وتداوله أكثر من أخبار توزيع الصكوك والحصة التموينية ودوري النجوم القطري ، وبدأ الذي تنجب زوجته أنثى يبتسم ويقول لا بأس بها سنعطيها للألمان يا قوة طاووس ملك تغير شيء من تلك العادات أخيرا ولكن .... بأي اتجاه .
ولا تزال العملية مستمرة عملية تصدير بناتنا مقابل حفنة من الماركات والدولارات وإذا أردنا تسهيل الأمر وضحكنا على أنفسنا سنقول حسنا إنها هجرة من نوع آخر ، ولست قلقا على بناتنا الهيفاوات من سيباى فمتى ما وصل السيل الزبى يعرفن طريق الخلاص بسكب بعض الكاز الأبيض على أنفسهن وشخط عود ثقاب وينتهي كل شيء أما الباقيات فحقا يساورني القلق عليهن وربما آن الأوان ليتعلمن شيئا من أخواتهن القيرانيات وأرجو أن يكون ذلك قبل السفر إلى تلك الأصقاع الكئيبة الباردة لعّل نار أجسادهن يدفأ برودة قلوب وأعصاب أهاليهن ويجعل الآباء يعيدون النظر في مثل هذه الصفقات المريبة والمخجلة والبعيدة جدا عن قيمنا وأخلاقنا . " ألا تستحق هذه الظواهر الاجتماعية الثلاث " الاختلاء ( وليس الاختلاط ) والنهب والتصدير أو البيع للخارج " إلى مراجعة شاملة بدءا من الذات والعائلة والعشيرة ومرورا بالمهجر وانتهاء بسماحة البابا شيخ وأرجو أن يكون رد الفعل " قول وفعل" كما أرجو منك أيها القارئ وقد استوعبت الموضوع أن تعيد قراءة القصيدة " القصة " .
استدراك : الأقارب غير معنيين بشيء من الكلام الذي ورد أعلاه من باب " ... هي ليست أفضل من ابن عمها ... " ما رأي آنساتنا بذلك .
زاجله = نسبة إلى الحمام الزاجل
مراد سليمان علو muradallo@yahoo.com
البريد الإلكتروني للمرسل: muradallo@yahoo.com