إنسانية الحيوان ... ووحشية الإنسان
قد يظن المرء بأن الإنسانية صفة مختصة أو مقتصرة على بني البشر وهذا ما هو متعارف عليه ، ولكن إلا يمكن أن يمتلك مخلوق أخر هذه الصفة أو يشعر بها تجاه غيره.
فقبل أن نروى لكم قصتنا حول الصفة أعلاه ينبغي أن نتعرف على تلك الصفة إلا وهي الإنسانية ، فهي تعني أن يكون صاحب أو مالك هذه الصفة بغض النظر عن جنسه ، يمتاز بامتلاكه قلب كبير ورحيم وعطوف محب لمساعدة الآخرين وأن يشعر بمعاناة غيره ويحاول التخفيف عن كاهلهم ويمد لهم يد العون وقت الحاجة أو عندما يتطلب الأمر ذلك ، فإذا ما أمتلك مخلوق أخر من غير الجنس البشري الصفات أعلاه إلا يمكن أن نصفه بأنه يشعر بالإنسانية أو لديه شعور إنساني ، أو أن يكون العكس هو الصحيح فإذا ما فقد الإنسان تلك الصفات إلا يمكن أن يطلق عليه أو أن يوصف بالوحشية ، هذا ما سوف نلمسه ونكتشفه من خلال حكايتنا أدناه .............
تختلف العادات والتقاليد من مجتمع لأخر سواء كانت طقوس أو رموز دينية أو تقاليد ومراسيم الزواج وما إليها من أمور أخرى والتي قد تكون مستحبة لدى البعض ومكروها لدى البعض الأخر.
في إحدى القبائل القاطنة في الجبال وقع شاب وشابة في حب بعضهما البعض غير أن الريح جرت بعكس ما كان يشتهيه حبهما حيث ُ لم يتمكنا من الوفاق والوصال لذلك قررا أخيراً أن يهربا معاً لكي يتمكنا من تحقيق مرادهم ( تعرف هذه العادة عند بعض المجتمعات الشرقية بالنهب أو الخطف ) وقد إلتجوا إلى الجبال ولسوء حظيهما كان ذلك في موسم الشتاء حيث ُ البرد القارص والثلوج المتساقطة وقساوة العيش في الجبال تحت ظل تلك الظروف والأجواء فاضطرا أخيراً اللجوء إلى إحدى الكهوف وما أكثرها في الجبال ، غير أنهم تفأجوا عند حلول الظلام بدخول حيوان ضخم ومرعب إلى داخل الكهف حيث ُ زادهم خوفاً ورعباً على ما كانوا يشعرون به إذ أن ما قاموا به في قبيلتهم أي عادة النهب أو الخطف كان جزاءها الموت بحسب عاداتهم وتقاليدهم ، البرد والخوف ، الذعر والرعب بالإضافة إلى الجوع اجتمعوا عليهم معاً وكأنهم يعاقبون على ما اقترفوه من ذنب بحسب عاداتهم ، غير أنهم اندهشوا لأمر تلك الدبة أو الضيفة التي حلت عليهم في غير موعدها حيث ُ قامت بإخراج كمية كبيرة من الصوف المخزون لديها في نهاية الكهف وقدمتها لهما وبذلك شعروا بالأمان فقاموا بترتيب الصفوف وفرشوا جزء منه على الأرض بينما غطوا أنفسهم بالجزء الباقي وبهذا زال الخوف والبرد والذعر عنهم معاً ولكن الجوع بقى يساورهم غير أنه في صباح اليوم التالي خرجت الدبة كعادتها من الأيام للصيد وجلبت معها عند عودتها كمية كبيرة من اللحم وقدمتها لضيفيها واستمر الحال بهم على ما هو عليه طيلة تلك الأيام الباردة حيث ُ كانوا يغطون أنفسهم بالصوف وينامون فوقه والدبة كانت تجلب لهم الطعام طيلة موسم الشتاء ، وبعد أن زال البرد واتى الربيع واخضرت الأشجار ونبتت الأعشاب وتفتحت الأزهار قرر ضيفا الدبة أن يودعاها ويلجاءا إلى إحدى القرى للعيش بين بني جنسهم ، فبعد أن امضوا مدة في تلك القرية وبعد مرور بضعة سنوات ظهرت في تلك القرية والقرى المجاورة لها أزمة الصوف وغلا ثمنه بحيث تعد الوصف والخيال فإذا بذلك الرجل ناكر الجميل والمعروف والذي فقد شعوره الإنساني يعلن لأهل القرية بأنه يعلم بوجود مكان يوجد فيه كمية كبيرة جداً من الصوف حيث ُ أنه كان يقصد عرين تلك الدبة الوفية المخلصة له ولزوجته وقد قاموا بالذهاب إلى ذلك الكهف وجلبوا كل ذلك الصوف غير أن تلك الدبة أعترضتهم في الطريق محاولة إرجاع ما قاموا بنهبه منها غير أن ما يندى له الجبين هو قيام الرجل الذي قضى الشتاء في عرينها بإطلاق النار عليها وقد صوبها وبدأت تنزف وأثناء ذلك قامت تلك الدبة برفع رأسها نحو السماء صارخةً وكأنها تشكي أمرها للخالق بينها وبين ذلك الرجل فأندهش الحاضرون لهول ما راءوه حيث ُ استجاب الرب لدعاء تلك الحيوانة البريئة إذ انفجرت كلتا عيني ذلك الرجل في الحال والذي تجرد من إنسانيته ومن الشعور الإنساني وقام بغدر وخيانة من مدت له يد العون وقت الحاجة ، أما الآن فأنت أحكم يا عزيزي القارئ الكريم إلا يمكن أن نسمي هذا الإنسان بالحيوان أو المتوحش المجرد من كل الحسنات وشعوره الإنساني وكذلك الحال مع تلك الدبة إلا يمكن أن نسميها أو نصفها بأنها كانت تمتلك شعوراً إنسانياً أو صفات نبيلة تستحق وصفها بالإنسانية .
كمال سليمان حامو
E.mail; kamal_hamo@yahoo.com